أخبار العالم

في الشرق الأوسط.. سلطنة عمان تسعى للريادة في مجال إنتاج واستهلاك الطاقة النظيفة



على الرغم من كونها من الدول المنتجة والمصدرة والمستهلكة للنفط، تسعى سلطنة عُمان من خلال سياسات وخطط اقتصادية طموحة، للتحول لمصادر طاقة بديلة ليس فقط على مستوى الاستهلاك، بل الإنتاج أيضا. وتخطط السلطنة للتحول إلى “قوة إنتاجية إقليمية” للهيدروجين الأخضر في غضون سنوات معدودة، على أن تصل إلى الحياد الكربوني، أي التوقف عن استهلاك مصادر الطاقة البترولية، بحلول 2050.

نشرت في:

تسعى عُمان للريادة في مجال إنتاج وتوريد الطاقة البديلة، والتخلي التدريجي عن الطاقة الكربونية أو الأحفورية (البترول). لدى السلطنة احتياطات مهمة من النفط والغاز، لكنها رسمت لنفسها مسارا بيئيا طموحا، تمثل في إعلان التزامها بالوصول للحياد الكربونيبحلول عام 2050.

ولتتمكن السلطنة من تحقيق هذا الالتزام، بدأت بالتفكير جديا بالاستثمار في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، إذ وقعت في 14 آذار/مارس الماضي اتفاقيات مع عدد من الدول والشركات الدولية المعنية بقطاع الطاقة باستثمارات تصل إلى 20 مليار دولار.

وينظر إلى الهيدروجين في عُمان على أنه أحد القطاعات الواعدة للاستثمار محليا وعالميا، ما يحفز الشركات الرائدة على حجز مكان لها في هذه السوق الواعدة.

ولكن الخطوات العمانية على هذا الطريق كانت قد انطلقت قبل ذلك، إذ كانت السلطنة بالفعل في طريقها لتصبح سادس أكبر مصدر للهيدروجين في العالم، والأولى في الشرق الأوسط بحلول عام 2030 (حاليا هي في المركز الثاني بعد مصر، بنحو 11 مشروعا لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، وفق تقرير منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك” بحلول نهاية 2022).

مع ذلك، ما زالت عُمان تنتج الوقود الأحفوري، ووفقا لوكالة الطاقة الدولية في تقريرها الصادر في 12 حزيران/يونيو “النفط والغاز يمثلان حوالي 60% من عائدات الصادرات العمانية، ويوفر الغاز الطبيعي المحلي أكثر من 95% من إنتاج الكهرباء في البلاد”.

لكن بفضل الخطط الطموحة التي وضعتها السلطات، يمكن لهذا الوضع أن يتغير بسرعة. فقبل شهر من مؤتمر “COP27 الذي عقد في مصر في نهاية عام 2022، تعهدت عمان بالعمل على الوصول إلى نسبة صفر انبعاثات، كما أعلنت البدء في الحد من استخدام الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة على المستوى الوطني، والاستثمار بمبلغ 140 مليار دولار في صناعة الهيدروجين الأخضر خلال السنوات القليلة المقبلة.

فائدة اقتصادية وبيئية

حسب باولو فرانكل، مدير التقارير ورئيس قسم الطاقة المتجددة في وكالة الطاقة الدولية “لدى عمان رؤية واضحة جدا على المدى الطويل. (المسؤولون في السلطة) يقولون إنه من المنطقي، من وجهة نظر اقتصادية وليس فقط بيئية، التخطيط والتفكير الآن فيما يجب القيام به في المستقبل”.

وجهة نظر السلطات يمكن قياسها وفقا لتقرير وكالة الطاقة المتجددة “آيرينا”، الذي توقع أن يشهد العالم اعتمادا على الهيدروجين كمصدر للطاقة بنسبة 12% بحلول 2050، ما يعني فرصا اقتصادية واعدة للسلطنة العربية.

ووفقا لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك”، تستهدف سلطنة عمان إنتاج الهيدروجين الأخضر بمعدل 1 إلى 1,25 مليون طن سنويا بحلول عام 2030، و3,25 و3,75 مليون طن سنويا بحلول 2040.

وأورد التقرير أن عمان تخطط للوصول إلى إنتاج 8,5 مليون طن من هذه المادة سنويا بحلول عام 2050، العام الذي حددته الحكومة لتحقيق الحياد الكربوني، وهذا إن تحقق، فسيتجاوز الطلب السنوي الحالي على الهيدروجين في أوروبا.

كيف يتم إنتاج الهيدروجين الأخضر؟

ينتج الهيدروجين الأخضر عن طريق تحليل كهربائي للماء يؤدي إلى تفككه وفصل ذرات الهيدروجين عن الأوكسجين. لاحقا يتم مزج الهيدروجين بغاز الميثان لخلق منتج حراري قد يستخدم في محركات السيارات أو إنتاج الكهرباء أو توليد طاقة حرارية عبر احتراق الهيدروجين.

ويسمى بالهيدروجين الأخضر كون عملية التحليل الكهربائي للماء لاستخراج الذرات، قادرة على توليد طاقة هائلة مع انعدام تام للانبعاثات الضارة.

عناصر نجاح السلطنة

لدى السلطنة عدد من العناصر التي تخولها النجاح فيما تصبو إليه، كموقعها الجغرافي، إذ يحد سواحلها الخليج العربي وبحر العرب وخليج عمان، ما سيضمن توافر المياه لضمان إنتاج وفير من الهيدروجين.

كما تحتل عمان موقعا مميزا على الخارطة الجغرافية الإقليمية للصادرات التجارية، نظرا لقربها من أسواق الاستيراد الرئيسية في مناطق مثل أوروبا واليابان. لدى السلطنة أيضا موارد هائلة من الطاقة الكهروضوئية (الشمسية)، فضلا عن مساحات كبيرة من الأراضي المتاحة لبناء المنشآت الضرورية لتطبيق هذه المشاريع.

لهيكلة هذا الانتقال، أنشأت الحكومة هيئة “هيدروجين عُمان” في عام 2022، للتخطيط للمشاريع المرتبطة بهذا القطاع. تم تخصيص حوالي 1500 كلم مربع من الأراضي لتطوير منشآت إنتاج الهيدروجين بحلول عام 2030، وفقا لوكالة الطاقة الدولية، على أن تتوسع المساحة حتى 50 ألف كلم مربع (سدس إجمالي مساحة البلاد البالغة حوالي 310 آلاف كلم مربع) من الأراضي التي ستستقبل مشاريع الطاقة الجديدة.

“مصدر إلهام” لدول أخرى

الكثير من الحجج التي جعلت باولو فرانكل يقول إن عمان “تضع نفسها في مصاف القوى الإقليمية” في مجال في الطاقة الجديدة، “هذا البلد يبدأ بالفعل في تحول عميق. استنادا إلى المشاريع الموجودة حاليا، فإن قيادة عمان واضحة جدا، على الرغم من أن دولا مجاورة أخرى مثل المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة مهتمة أيضا بالاستثمار في الطاقة الخضراء”.

وكانت السعودية قد بدأت في بناء محطة عملاقة تعمل بالطاقة الشمسية والرياح، لإنتاج 219 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنويا بحلول عام 2026. كما أعلنت أبو ظبي عن توقيع عقد شراكة مع عملاق الغاز الألماني “Uniper لبناء مصنع هيدروجين أخضر في الإمارات العربية المتحدة.

أما بالنسبة لنقل كل هذه الكميات من الهيدروجين، فقد أنشأت عمان بالفعل مرافق مخصصة لذلك. وسيتعين عليها مضاعفة هذه المرافق في السنوات القادمة. ووفقا لوكالة الطاقة الدولية “من المرجح أن يتم نقل صادرات عمان من الهيدروجين المتجدد في البداية كأمونيا. تصدر عمان حاليا حوالي 200 ألف طن من الأمونيا سنويا، ويجب أن ترفع قدرتها التصديرية من هذه المادة 20 إلى 30 ضعفا بحلول عام 2030 إذا كانت تسعى لأن تصبح موردا دوليا رئيسيا للهيدروجين”.

ويأمل باولو فرانكل في أن يشكل نموذج عمان “مصدر إلهام للآخرين (الدول)”، هذا في وقت شرعت فيه دول عديدة حول العالم للتحول تدريجيا نحو مصادر طاقة بديلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى