أخبار العالم

التحقق من الهوية وفق سمات الوجه… ما هي سياسات الدول الغربية لإنهاء هذه الممارسة “العنصرية”؟


أدى مقتل الفتى نائل (17 عاما) على يد شرطي فرنسي في 27 يونيو/حزيران الماضي إلى نشوب أعمال عنف في العديد من المدن الفرنسية. فيما أعاد إلى الواجهة النقاش بخصوص العنف الذي تمارسه الشرطة، لا سيما عندما تقوم بالتحقق من هوية بعض الأشخاص من سكان الضواحي بناء على سمات وجوههم. فما هي سياسات الدول الغربية في هذا المجال؟ وما هي الحلول التي تقترحها لإنهاء هذا التصرف الذي غالبا ما يوصف بـ”العنصري”؟ فرانس24 تقدم لكم بعض النماذج.

نشرت في:

يرجح عدة مراقبين فرنسيين أن سياسة التحقق من هوية الأشخاص وفق سمات وجوههم التي تتبعها الشرطة الفرنسية بشكل متكرر وجميع أشكال التمييز التي يتعرض لها شبان الضواحي، بما في ذلك التفتيش العنصري، هما من بين الأسباب التي أدت إلى نشوب أعمال عنف في الضواحي الفرنسية أعقبت مقتل الفتى نائل.

ففي فرنسا مثلا، الشبان ذوو الملامح العربية أو السوداء معرضون للتوقيف وإلى عمليات التفتيش والتحقق من هوياتهم من قبل الشرطة في الشوارع أكثر بعشرين مرة مقارنة بالشبان الأوربيين، وفق دراسة أجريت في 2016 من قبل “المدافع عن الحقوق” وهي هيئة إدارية يتم تكليفها من قبل رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات وتقوم بالدفاع عن حقوق المواطنين.


شرطة مكافحة الشغب الفرنسية تواجه أعمال نهب وتخريب في مرسيليا، جنوب فرنسا في 1 تموز/يوليو 2023. © أ ف ب

ووعد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند خلال حملة الانتخابات الرئاسية في 2012 بإنهاء مثل هذه المعاملات. “لكن للأسف أقل ما يقال اليوم هو أنها لا تزال منتشرة” وفق سيباستيان روشيه، المتخصص في علم الاجتماع وفي المسائل الأمنية والشرطة.

وقال روشيه “إن عمليات التحقق من هويات الأشخاص وفق سمات وجوههم قد تضاعفت في فرنسا وتعد من بين الأسباب الرئيسية التي أشعلت نيران الاحتجاجات اليوم“.

ولإنهاء مثل هذه التصرفات، اقترح هولاند عندما كان رئيسا لفرنسا فكرة منح الشرطة إيصالا لكل شخص يتم توقيفه في الشارع أو تفتيشه. يتضمن هذا الإيصال اسم الشرطي الذي قام بتفتيش الشاب. لكن هذه الفكرة تم دفنها من قبل رئيس الوزراء السابق مانويل فالس في سبتمبر/أيلول 2012 بحجة أنها تتسبب في مشاكل بيروقراطية عديدة.

كما تم أيضا اقتراح تقنية أخرى تتمثل في تثبيت كاميرا مراقبة على كل شرطي، لكن في نهاية المطاف لم يتم التعامل مع هذه التقنية لأن “تكاليفها مرتفعة” حسب المدير العام للشرطة الفرنسية إريك مورفان.

وكل ما قرره مانويل فالس هو كتابة رقم تسجيل الشرطي على بدلته. وفي حال اعتبر أي شخص بأنه تعرض إلى التفتيش عدة مرات ودون سبب، فبإمكانه أن يرفع دعوى أمام المفتشية العامة للشرطة الوطنية، وهو الجهاز الذي يقوم بمراقبة الشرطة.

تراجع السب والشتم لكن “العنصرية” لا تزال قائمة

من جهتها، قالت أناييك بورين، وهي متخصصة في علم الاجتماع وباحثة في جامعة ليون: “رأينا بأن البرامج التي تهدف إلى توعية الشرطة حول الموضوع أتت بثمارها. والدليل أن هناك تراجعا في استخدام مثل هذه الكلمات من قبل عناصر الشرطة عندما يقومون بتفتيش أو توقيف الشباب في الشارع. لكن على الرغم من ذلك، فالتمييز العنصري حاضر في صفوف الشرطة كباقي أطياف المجتمع. الفرق فقط أنه غير مكشوف وغير علني. بعض العناصر في الشرطة الفرنسية يستخدمون أسلوبا غير لائق في معاملاتهم مع الناس وأقل حرفية مقارنة بالدول الأنكلوسكسونية”.

ووفق تقرير صدر عام بعد المظاهرات التي عرفتها الولايات المتحدة “بلاك لايف ماترز” خص 35000 مواطن أوروبي، أظهر أن الشرطة التابعة لدول الاتحاد الأوروبي تحققت من هوية الشبان ذوي السمات أجنبية بنسبة بلغت 34 بالمئة مقابل 14 بالمئة للشبان الأوروبيين.

كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على العنف في فرنسا؟
كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على العنف في فرنسا؟ © فرانس24

وتتصدر كل من إيطاليا والسويد وهولندا والبرتغال التصنيف. لكن نفس التقرير أظهر أن الشرطة في هولندا وفي البرتغال هما الأكثر عنصرية خاصة إزاء الغجر، إذ ارتفعت نسبة تعرضهم إلى التحقق من هوياتهم ووفق ملامح وجوههم إلى 86 بالمائة في هولندا و84 بالمائة في البرتغال.

تقديم إيصال في المملكة المتحدة وفي بعض المدن الإسبانية

في بريطانيا، تمت المصادقة على قانون في 1986 يقنن تفتيش الأشخاص في الشارع ويجبر كل شرطي يقوم بتوقيف شخص ما أن يقدم له إيصالا يتضمن بعض المعلومات، كاسم الشرطي وسبب التفتيش والتوقيت الذي تمت فيه العملية وأسبابها.

ووفق المعطيات التي تم جمعها، تبين بأن شرطة لندن قامت بتفتيش وتوقيف غالبية من الناس ذوي البشرة البيضاء، فيما أشارت نفس المعطيات إلى أن الأشخاص ذات البشرة السوداء معرضون إلى التفتيش أربعة أو خمس مرات أكثر مقارنة بذوي البشرة البيضاء.


إسبانيا اتبعت استراتيجية مشابهة لبريطانيا منذ 2007. فالشرطي مرغم على تقديم إيصال لأي شخص يتم تفتيشه أو توقيفه في الشارع من أجل التحقق من هويته.

ويتضمن هذا الإيصال بعض المعلومات، منها مدة التفتيش والسبب وجنسية الشخص الذي خضع للتحقيق وسنه وجنسه وفي بعض الأحيان المخالفة التي ارتكبها فضلا عن رقم الشرطي.

ووفق المعطيات التي تم استقاؤها، فقد سمحت هذه الخطة بتقليص عدد عمليات التحقق في الهوية بشكل كبير وجعلت الشرطة تقوم بمهامها الأمنية بفعالية أكبر. لكن بالمقابل لم يتم تعميم هذه الخطة في جميع المدن الإسبانية بسبب رفض قوات الأمن لذلك.

التجارب الأمريكية والكندية

في الولايات المتحدة الأمريكية، لا يوجد قانون فيدرالي فيما يتعلق التحقق في هوية الأشخاص. فكل ولاية لها قانون خاص تتعامل به. ففي نيويورك مثلا، الشرطة لا تقوم بتفتيش أي شخص في الشارع إلا في حال الضرورة. وعندما تقوم بذلك فعليها أن تمنح له استمارة تشرح له حقوقه.

لكن حسب تقرير نشر في 2020 من قبل جمعية مدافعة عن حقوق الإنسان، لم تأتِ هذه الخطة بثمارها كما كان منتظرا. والدليل أن الأشخاص ذوي الملامح الإسبانية والسوداء تعرضوا إلى التفتيش من قبل الشرطة بشكل مفرط.

ويقول جان بيمان، أستاذ علم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا. “طبعا هناك جهود بذلت لتقليص عمليات تفتيش أو توقيف الناس من قبل الشرطة في الشارع. إنه مكسب كبير. لكن في نفس الوقت تصرفات الشرطة لم تتغير بشكل راديكالي إذ لا تزال تعتقد بأن أعمال العنف والإجرام تتنامى أكثر في أوساط الأمريكيين ذوي الأصول المهاجرة”.

في كندا، عمليات التفتيش تستجيب إلى إطار قانوني. فالشرطي يرتدى بدلة كتب عليها اسمه ورقمه. كما تقوم وزارة الداخلية بتوظيف شرطيين من أصول مهاجرة والتعامل مع جمعيات مدافعة عن حقوق الإنسان. ما يسمح بالقيام بعمليات تفتيش بشكل قانوني ومحترم.

عناصر الشرطة الفرنسية يواجهون أعمال الشغب التي أعقبت مقتل الفتى نائل في نانتير أثناء توقف مروري. ليل، فرنسا في 30 يونيو/حزيران 2023.
عناصر الشرطة الفرنسية يواجهون أعمال الشغب التي أعقبت مقتل الفتى نائل في نانتير أثناء توقف مروري. ليل، فرنسا في 30 يونيو/حزيران 2023. © رويترز

لكن بالرغم من ذلك، فالتقارير تشير إلى أن الأشخاص من أصول أجنبية يتم تفتيشهم وتوقيفهم أكثر من غيرهم. وقالت أناييك بورين في هذا الشأن: “عندما قمت بدراسات حول فرنسا وكندا، كنت أعتقد أن الوضع مثالي في كندا. لكن التحقيقات التي أجريتها تشير في الحقيقة أن هذه الظاهرة لا تزال مستمرة هناك (أي في كندا)”.

ما هي إذن الحلول المتاحة لإنهاء هذه الظاهرة؟ ففي فرنسا مثلا “الحل الأول يكمن في الاعتراف قبل كل شيء بوجود ظاهرة العنصرية ثم البحث عن أسبابها دون تشويه صورة الشرطة أو اتهام السياسات العامة التي وضعتها الحكومات المتعاقبة” وفق أناييك بورين.

اقتراحات منظمة العفو الدولية لمحاربة التحقق من الهوية وفق سمات الوجه:

إلغاء المراقبة الإدارية للهوية

تحديد صلاحيات الشرطة أثناء عمليات تفتيش الأشخاص

اعتماد تدابير خاصة عندما يتم توقيف شبان قصر

إنشاء نظام يسمح بتقديم بيان أو دليل للناس الذين تم تفتيشهم والسماح لها بتقييم عملية التفتيش

إنشاء آلية مستقلة لتقديم الشكاوى

تغيير طريقة تكوين وتدريب رجال الشرطة خاصة فيما يتعلق بجانب المعاملة مع الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى